التضامن مع المرأة أينما كانت وأياً كانت، أي بغض النظر عن انتماءاتها الجغرافية أو العقائدية أو خلفياتها التربوية أو التعليمية أو حالتها الاقتصادية أو المهنية أو الاجتماعية، واتخذ المجتمع من هذه المناسبة، وكعادته، فرصة للتذكير بالقضايا التي تواجهها المرأة عبر العالم، والتحديات التي على المرأة تجاوزها، وكذلك الإنجازات التي تسعى المرأة إلى تحقيقها، والأهداف التي تود الوصول إليها.

وكل مما سبق يحتوي على عناصر تتصل في شكل مباشر أو غير مباشر بقضايا المرأة، بالإضافة إلى قضايا أخرى تهم المرأة على الصعيد العالمي.

ونقتصر تناولنا هنا على المرأة العربية بصفة عامة، ليس من منطلق محاولة السعي لتحديد القضايا التي تواجهها بشكل عام، وبكل تأكيد ليس بهدف وضع أي تصور لأولويات تلك القضايا بالنسبة إلى المرأة العربية، ومن باب أولى ليس بغرض الادعاء بتقديم الحلول للمشكلات والتحديات التي تواجهها، بل ارتكاناً إلى أرضية أكثر تواضعاً من كل ما سبق، ألا وهي الإعراب عن الأمل في القدرة على والتمكن من إلقاء بعض الضوء على جوانب قد تجعل الصورة أكثر وضوحاً وشمولاً وتكاملاً عند التعرض لقضايا المرأة العربية أو التصدي لطرح مناهج اقتراب لمعالجة هذه القضايا والتعاطي معها.

أولا
العناصر التي نعرض لها هنا :-
أنه بينما للمرأة على الصعيد العالمي قضايا مشتركة فإن هناك أوجهاً خصوصية للمرأة، ومن ثم لقضاياها، في سياق كل إطار ثقافي ومسار تطور تاريخي، فإن تلك الملاحظة نفسها تصدق على قضايا المرأة العربية ذاتها من الداخل، فكما أن للمرأة العربية من المحيط إلى الخليج قضايا وهموماً متشابهة أو حتى متماثلة وآمالاً وتطلعات مشتركة، فإن هناك تباينات واختلافات في العديد من القضايا طبقاً للإقليم الفرعي داخل الوطن العربي الذي تعيش فيه المرأة أو الدولة التي تنتمي إليها أو المجتمع الذي تعيش بداخله، بل ونذهب إلى القول بأن هذه التباينات والاختلافات تكون موجودة طبقاً للعديد من المعايير الأخرى مثل مقدار التعليم الذي حظيت به هذه المرأة، والطبقة التي تنتمي إليها، وحالتها الاقتصادية والاجتماعية، ودرجة استقلالها المادي، وطبيعة العمل الذي تمارسه أو كونها ربة بيت لا تعمل أو على الجانب الآخر كونها امرأة معيلة، وعما إذا كانت تربت وكبرت وتعيش في الحضر أو الريف أو البادية، بل إذا كانت تعيش في عواصم ومدن كبرى أو صغرى، والعقيدة التي تنتمي إليها، والمنظومة الثقافية التي تتواجد في إطارها، ودرجة وعيها الفئوي والحقوقي والسياسي والنقابي، وذلك ضمن أمور أخرى كثيرة تستوجب أخذها في الاعتبار ومراعاتها والوعي بها في شكل متعمق واستيعابها بصورة كاملة عند الحديث عن قضايا المرأة العربية في شكل عام، وذلك حتى لا تتحول صيغة التعميم هنا، ولو عن غير قصد، إلى تشويه أو بتر للحقائق أو قفز فوق الوقائع والتحليق في خيال منقطع الصلة بما هو معاش، أو نوع من التبسيط المخل للقضايا والمواقف الذي يصيب بالضرر ولا يحقق أي فائدة لعرض وتحليل وتقييم الصورة.


ثانيا العناصر التي نلقي عليها الضوء هنا هو أهمية، وضرورة التفرقة بين القضايا التي تواجهها المرأة العربية باعتبارها تنتمي إلى دولة عربية بعينها وتحمل هويتها، وبين القضايا التي تواجهها، سواء على المستوى العربي ككل أو على المستوى الوطني، فقط بسبب كونها امرأة.

ولكي نكون أكثر وضوحاً في شأن هذه النقطة، فالمقصود هو أن هناك قضايا وتحديات ومشكلات تعانيها المرأة العربية ليس لكونها امرأة، بل تتساوى في المعاناة منها، حتى وإن اختلفت أحياناً زاوية تلك المعاناة أو تفاوتت درجتها، مع الرجل العربي في المجتمع نفسه الذي تعيش فيه، سواء كانت هذه التحديات تشريعية أو قانونية أو مدنية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية.

وعلى الجانب الآخر، توجد قضايا تخص المرأة وحدها من دون غيرها في المجتمعات العربية، وإن كانت آثارها وانعكاساتها تمس أيضاً مكونات المجتمع كافة من رجال وشباب وشيوخ وأطفال في ضوء العلاقة العضوية بين أنسجة المجتمع الواحد، وبناءً على ذلك، فهذه القضايا واستراتيجيات التعامل معها هي مسؤولية مشتركة للمجتمع بأطيافه كافة وليس للمرأة فقط، وهو أمر يعيه الكثير من الرجال في المجتمعات العربية، وبالتالي نجد بعضهم في مقدم الساعين إلى التعبير عن قضايا المرأة أو المبادرين بالدعوة لإيجاد حلول لها بما يحقق المصالح المشتركة للمرأة وللمجتمع ككل.

وتكمن أهمية هذه التفرقة في إدراك أن بعض قضايا المرأة العربية هي من الناحية الفعلية قضايا مباشرة للمواطن العربي عموماً، وأنه عندما يتم التعامل الناجع مع هذه القضايا وإيجاد الحلول لها وتجاوز مصاعبها سيتحقق ذلك للمرأة وللرجل وللشيخ وللطفل وللشاب، بينما هناك قضايا أخرى هي ذات خصوصية للمرأة، مع الإقرار مجدداً بتأثيرها على المجتمع ككل ولكن يتعين التصدي لهذه القضايا والعمل على حلها من دون انتظار حل القضايا التي يعانيها المواطنون في شكل عام وبغض النظر عن كونهم رجالاً أم نساءً.


ثالثا، والعناصر التي نذكرها هنا، من دون ادعاء استيفاء العناصر كافة ذات الصلة بموضوع المقال وإنما اكتفاءً بعرض بعضها، هو ضرورة عدم المصادرة مسبقاً على الاستراتيجيات الواجب إتباعها للتعامل مع قضايا المرأة العربية ولتمكينها، مدعومة من المجتمعات التي تنتمي إليها، من مجابهة التحديات التي تواجهها والتغلب عليها وتحويلها إلى فرص وقيم مضافة لقوة ومكانة وتقدم المرأة والمجتمع على حد سواء، وأهمية تجنب إصدار أحكام جاهزة في هذا الشأن، وذلك على أرضية عدم القبول مقدماً بحقائق مطلقة أو مسلمات من دون تحري الواقع ودراسته في شكل علمي وملتزم وفي ضوء مصالح المجتمع وفي إطار المكونات البناءة والإيجابية لثقافته وفي سياق ثوابت مرجعياته القيمية المتوافق عليها مجتمعياً، ومن ثم رفض دفع أي طرف بأنه يملك تلك الحقائق المطلقة أو يحتكر ملكيتها، وبالتالي يسعى إلى فرض تنفيذها، فالباب يجب أن يكون مفتوحاً على مصراعية للنقاش الموضوعي والبناء، وللجدل الهادف والإيجابي والمتواصل، ولتبادل الرأي على أسس الاحترام المتبادل والإقرار بالمصلحة المشتركة للمجتمع وبأن كل طرف يملك جزءاً من الحقيقة ولديه زاوية للرؤية تثري الرؤية العامة والشاملة ولا تأتي على حسابها أو تنقص منها.

وذلك النقاش يجب أن يتم بين كل الأطراف المعنية داخل المجتمع، وفي مقدمها المرأة نفسها، للتوصل إلى الحلول لقضاياها، أو على الأقل للوصول إلى مرحلة توافق مجتمعي حول خريطة طريق تتضمن تصورات لأشكال ومضمون هذه الحلول ولأساليب وأدوات وكيفية تطبيقها على أرض الواقع، حتى وإن اتفقت تلك الأطراف المعنية على أن تطبيق هذه التصورات قد يحتاج إلى بعض الوقت أو قد يتطلب بعض الخطوات التمهيدية والمراحل التحضيرية المسبقة.

وهكذا نرى أن ما سبق لم يكن محاولة لتوصيف أو تصنيف قضايا المرأة العربية، ولا كان زعماً بتقديم حلول جاهزة لها، بقدر ما كان جهداً ذهنياً استهدف وضع بعض الخطوط العريضة التي يساعد وجودها على تبني منهج اقتراب أكثر اتزاناً وتوازناً وموضوعية في التعامل مع هذه القضايا والسعي إلى معالجتها، كما يمكن توظيف هذه الخطوط العريضة وغيرها لتساهم في عملية صياغة المعايير التي يساعد قبولها من جميع الأطراف ذات الصلة على وضع المعالم الأساسية لطريق الحوار المجتمعي لتناول هذه القضايا بروح بناءة مشتركة من الجميع، واضعين في الاعتبار المسار العريض لتنمية المجتمع وتقدمه ومتطلبات بلوغه أهدافه على المدى القصير والمتوسط والبعيد على حد سواء، وكذلك احتياجات تمكين المرأة في هذا السياق الأشمل.